فصل: فَصَلِّ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ:

أَفْرَدَهُمَا بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِمَا وَقَدَّمَ الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ يُنْبِئُ عَنْ إزَالَتِهِ وَالْإِزَالَةُ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ (لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ يَشْمَلُ أَجْنَاسًا كَالرَّقِيقِ وَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ) لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لُغَةً وَعُرْفًا لِلْخَيْلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا وَكَذَا الثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ؛ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وَكَذَا الرَّقِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي بَنِي آدَمَ وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (أَوْ) بِشِرَاءِ شَيْءٍ يَشْمَلُ (مَا هُوَ كَالْأَجْنَاسِ كَالدَّارِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (بَيْنَ الثَّمَنِ)؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفُ لَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ (فَإِنْ سَمَّى نَوْعَ الثَّوْبِ كَالْهَرَوِيِّ) مَثَلًا (جَازَ وَكَذَا إنْ سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ) جَازَ سَوَاءٌ ثَمَنًا، أَوْ لَا بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ بَيْنَ ثَمَنِ الدَّارِ، أَوْ الْمَحَلَّةِ) يَعْنِي إنْ وُكِّلَ بِشِرَاءِ دَارٍ وَبَيَّنَ ثَمَنَهَا وَمَحَلَّتَهَا جَازَ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الْكَنْزِ الدَّارَ كَالْعَبْدِ مُوَافِقًا لِقَاضِي خَانْ لَكِنْ شَرَطَ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ بَيَانَ الْمَحَلَّةِ وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالثَّوْبِ فَقَالَ وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْحِمَالِ وَالْبُلْدَانِ فَتَعَذَّرَ الِامْتِثَالُ وَإِنْ سُمِّيَ ثَمَنُ الدَّارِ وَوُصِفَ جِنْسُ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ مَعْنَاهُ نَوْعُهُ انْتَهَى.
وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالدَّارُ مُلْحَقَةٌ بِالْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ قَالَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَالِّ انْتَهَى.
وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَتَفَاحَشُ انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ قَوْلَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الدَّارِ وَلِهَذَا عَطَفَ بِأَوْ فَقَالَ: أَوْ بَيْنَ ثَمَنِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الدَّارِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَهَالَةُ النَّوْعِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلْيُحْمَلْ عِبَارَةُ كُلٍّ مِنْ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ تَتَبَّعْ.
(أَوْ بَيْنَ جِنْسِ الرَّقِيقِ كَالْعَبْدِ وَنَوْعِهِ كَالتُّرْكِيِّ) يَعْنِي إذَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ تُرْكِيٍّ مَثَلًا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ مَنْفَعَةُ الْجِمَالِ كَأَنَّهُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنْ بَيَّنَ نَوْعَهُ كَالتُّرْكِيِّ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (أَوْ) بَيَّنَ (ثَمَنًا يُعَيِّنُ نَوْعًا)، أَوْ نَوْعَ الْعَبْدِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ كَذِكْرِ النَّوْعِ فِي تَقْلِيلِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَيَلْحَقُ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لِامْتِنَاعِ الِامْتِثَالِ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ تَرْكُ الصِّفَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ يُعَيِّنُ نَوْعًا؛ لِأَنَّ النَّوْعَ صَارَ مَعْلُومًا بِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ كَالشَّاةِ وَالْبَقَرِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ وَإِلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ نَوْعًا، أَوْ لَا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ لِهَذَا الثَّمَنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (أَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: ابْتَعْ لِي) أَيْ اشْتَرِ لِي (مَا رَأَيْت) وَفِي الْفَرَائِدِ وَفِي عَطْفِ قَوْلِهِ، أَوْ عَمَّمَ صُعُوبَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ، أَوْ بَيَّنَ جِنْسَ الرَّقِيقِ وَلَا كَوْنَهُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ سُمِّيَ نَوْعُ الثَّوْبِ جَازَ وَفَصَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَوْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يُعَمِّمَ لَكَانَ أَسْلَمَ وَأَظْهَرَ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ، أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولُ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيه يَكُونُ مُمْتَثِلًا انْتَهَى.
لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ سُمِّيَ إلَى هُنَا أَيْ إنْ خُصِّصَ جَازَ عِنْدَ الْبَيَانِ، أَوْ عَمَّمَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، أَوْ أَنْ يَكُونَ، أَوْ بِمَعْنَى أَلَا أَنْ كَقَوْلِهِمْ لَأُلْزِمَنَّك، أَوْ تُعْطِينِي حَقِّي أَيْ إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي حَقِّي.
(وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ) يَعْنِي: دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي طَعَامًا يَشْتَرِي الْبُرَّ وَدَقِيقَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُرِنَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ لِلْأَكْلِ فَيَبْقَى عَلَى الْوَضْعِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِنَّ سُوقَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا عِنْدَهُمْ يُسَمَّى سُوقَ الطَّعَامِ وَأَمَّا فِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُعْتَادَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ أَيْ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ دُونَ الْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا دَفَعَ إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِلَا دَفْعٍ لَهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَثُرْت الدَّرَاهِمُ، أَوْ قَلَّتْ (وَقِيلَ) يَقَعُ (عَلَى الْبُرِّ فِي كَثِيرِ الدَّرَاهِمِ، وَ) يَقَعُ (عَلَى الْخُبْزِ فِي قَلِيلِهَا، وَ) يَقَعُ (عَلَى الدَّقِيقِ فِي وَسَطِهَا) قِيلَ الْقَلِيلُ مِثْلُ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالْمُتَوَسِّطُ مِثْل أَرْبَعَةٍ إلَى خَمْسَةٍ، أَوْ سَبْعَةٍ فَالسَّبْعَةُ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَفِي مُتَّخَذِ الْوَلِيمَةِ) أَيْ طَعَامِ الْعُرْسِ وَالْمُتَّخَذُ بِالْفَتْحِ اسْمُ زَمَانٍ يَقَعُ (عَلَى الْخُبْزِ بِكُلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ، أَوْ تَوَسَّطَتْ، أَوْ قَلَّتْ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ فِي الْكُلِّ الْعُرْفُ.
(وَصُحِّحَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَيْنٍ) أَيْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (بِدَيْنٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (عَلَى الْوَكِيلِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ اشْتَرِ لِي هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا بِأَلْفٍ لِي عَلَيْك فَاشْتَرَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْآمِرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ يَهْلِكُ مَالُ الْآمِرِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينُ الْبَائِعِ وَفِي تَعْيِينِ الْبَائِعِ تَوْكِيلُهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوَّلًا لِأَجْلِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُوجَدُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ مَدْيُونَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ بِمَرَمَّةِ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ (وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ) أَيْ لَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ: اشْتَرِ لِي بِالْأَلْفِ عَلَيْك عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالتَّوْكِيلُ بَاطِلٌ حَتَّى (إنْ) اشْتَرَى، وَ (هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ.
(وَإِنْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ فِي الْمُعَيَّنِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ، أَوْ لَا (وَهَلَاكُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ (إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ)؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ، أَوْ عَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ وَلَهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ مِنْهَا، أَوْ الدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ، أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْ الْمَدْيُونِ بِالْإِبْرَاءِ مَثَلًا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ إعْطَاءُ مِثْلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ وَالْإِسْقَاطَ فِي حُكْمِ الْأَخْذِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الِاسْتِهْلَاكِ ظَاهِرٌ وَلِذَا قَيَّدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَمَا فِي تَعْلِيلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُطَالَعْ.
وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَ بِقَبْضِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْوَصْفُ عَرَضٌ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ (وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافِ (إذَا أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ (أَنْ يُسْلِمَ مَا عَلَيْهِ، أَوْ يَصْرِفَهُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك إلَى فُلَانٍ فِي كَذَا صَحَّ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ: إلَى مَنْ شِئْت فَعَلَى الْخِلَافِ وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَمَنْ يَعْقِدُ عَقْدَ الصَّرْفِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ تَأَمُّلٌ.
(وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدًا لِيَشْتَرِيَ نَفْسَهُ) أَيْ نَفْسَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (مِنْ سَيِّدِهِ) بِأَنْ قَالَ فُلَانٌ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ سَيِّدِك بِأَلْفٍ مَثَلًا (فَإِنْ قَالَ) الْعَبْدُ الْمَأْمُورُ لِسَيِّدِهِ (بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ) بِأَلْفٍ (فَبَاعَ) السَّيِّدُ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ لَأَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ وَيَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ نَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمَالِيَّةِ فَإِذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ شِرَاؤُهُ لِلِامْتِثَالِ فَيَقَعُ لِلْآمِرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) الْعَبْدُ (لِفُلَانٍ عَتَقَ) الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الِامْتِثَالُ لِلْآمِرِ وَالْآخَرُ هُوَ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَبَقِيَ التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت وَإِنْ وَقَعَ لِلْعَبْدِ يُكْتَفَى بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِمَا لَا عَلَى الْآمِرِ.
(وَإِنْ وَكَّلَ الْعَبْدُ غَيْرَهُ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ لِلسَّيِّدِ: اشْتَرَيْته) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدَ (لِنَفْسِهِ فَبَاعَ) السَّيِّدُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ (عَتَقَ) الْعَبْدُ (عَلَى السَّيِّدِ وَوَلَاؤُهُ) أَيْ وَلَاءُ الْعَبْدِ (لَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِهِ الْعَبْدَ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى.
(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِنَفْسِهِ) عِنْدَ اشْتِرَائِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لِلْوَكِيلِ) لِكَوْنِ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فَيَقَعُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (ثَمَنُهُ) أَيْ ثَمَنُ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ عَاقِدًا (وَمَا أَعْطَاهُ الْعَبْدُ) لِلْوَكِيلِ (لِأَجْلِ الثَّمَنِ لِلْمَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَإِذَا قَالَ الْوَكِيلُ: لِمَنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا فَمَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ عِنْدِي (وَقَالَ الْمُوَكِّلُ) لَا بَلْ (اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجِبْ (دَفَعَ الثَّمَنَ) إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الثَّمَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ وُجِدَ دَفَعَ الثَّمَنَ (فَلِلْوَكِيلِ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ لِلْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقَدْ أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَغَيْرُهُ إنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَهُوَ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ لَا لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَالْمَخْبَرُ بِهِ فِي التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْإِشْهَادِ فَيُصَدَّقُ إنْ كَانَ مَيِّتًا، وَالْحَالُ إنَّ الثَّمَنَ مَنْقُودٌ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مَحَلًّا لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ بِهِ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْته لَك وَقَالَ الْآمِرُ: بَلْ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَصَحَّ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَهُ أَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَاصِرَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَصِّلَ تَدَبَّرْ.
(وَلِلْوَكِيلِ) بِالشِّرَاءِ (طَلَبُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُوَكِّلِ) إذَا اشْتَرَى وَقَبَضَ الْمَبِيعَ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَدْفَعْهُ) أَيْ الثَّمَنَ (إلَى الْبَائِعِ) إذْ يَجْرِي بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً، وَلِهَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ بَائِعًا مِنْ مُوَكِّلِهِ حُكْمًا فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ مِنْ مُوَكِّلِهِ سَوَاءٌ دَفَعَهُ إلَى بَائِعِهِ، أَوْ لَا (وَحُبِسَ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ) أَيْ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حُبِسَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ؛ لَأَنْ يَقْبِضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ تَجْرِي بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَحَقُّ الْحَبْسِ يَسْقُطُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بِنَقْدٍ ثُمَّ أَجَّلَهُ الْبَائِعُ كَانَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ حَالًّا (فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ إنْ هَلَكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ يَهْلِكُ عَلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ (وَلَا يَسْقُطُ ثَمَنُهُ) أَيْ ثَمَنُ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ فَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ (وَإِنْ) هَلَكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ (بَعْدَ حَبْسِهِ) أَيْ حَبْسِ الْوَكِيلِ إيَّاهُ (سَقَطَ) الثَّمَنُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ وَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَالرَّهْنِ)؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ رَهْنٌ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ، وَهُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ قُلْنَا يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهَلَاكِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ الْفَضْلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ.
(وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَيْنٍ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ) وَلَا لِمُوَكِّلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْحِلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفَسَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلتَّعْلِيلِ الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ نَاوِيًا، أَوْ مُتَلَفِّظًا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا بَاشَرَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (فَإِنْ شَرَاهُ بِخِلَافِ جِنْسِ مَا سَمَّى) الْمُوَكَّلُ لَهُ (مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ) بِأَنْ شَرَاهُ بِالْعُرُوضِ، أَوْ بِالْحَيَوَانِ (وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَنُقِدَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا بِمَا إذَا سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَ عَنْهُ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا فِيمَا إذَا زَادَ لَا فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَصَفَ لَهُ بِصِفَةٍ وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ.
(وَكَذَا) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ (إنْ أَمَرَ) الْوَكِيلُ (غَيْرَهُ فَشَرَاهُ الْغَيْرُ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِغَيْبَتِهِ) أَيْ بِغَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحْضُرَ رَأْيُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ.
(وَإِنْ شَرَاهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (فَلِلْمُوَكِّلِ) أَيْ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُ رَأْيُهُ حِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِيَ، أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ حَضَرَ رَأْيُهُ (وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ هُوَ) أَيْ الشِّرَاءُ (لِلْوَكِيلِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ شَيْئًا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إذْ الْأَصْلُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ (إلَّا إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ) بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت: بِهَذَا الْأَلْفِ، وَهُوَ مَالُ الْآمِرِ (أَوْ أَطْلَقَ) الْعَقْدَ بِأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْت فَقَطْ (وَنَوَى) الشِّرَاءَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ، أَوْ يَشْتَرِيه بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَيْ فِي النَّقْدِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَيْ الْجَوَابُ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِ الْوَكِيلِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا، أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا تُصَادِفُهُمَا بِهِ تَحْتَمِلُ النِّيَّةَ لِلْآمِرِ وَفِيمَا قُلْنَاهُ حُمِلَ حَالُهُ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ وَالتَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ انْتَهَى.
(وَيُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ لَا الْمُوَكِّلِ) فَيَبْطُلُ عَقْدُهُمَا بِمُفَارَقَةِ الْوَكِيلِ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ إذْ الْقَبْضُ لِلْعَاقِدِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَاقِدٍ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ ضَعِيفٌ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ أَصْلًا فِي الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ فِيهِمَا لَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ.
(وَلَوْ قَالَ) الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ (بِعْنِي هَذَا لِزَيْدٍ) أَيْ لِأَجْلِهِ (فَبَاعَ ثُمَّ أَنْكَرَ) الْمُشْتَرِي (كَوْنَ زَيْدٍ أَمَرَ) بَعْدَ إقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ (فَلِزَيْدٍ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْمَبِيعِ جَبْرًا (إنْ لَمْ يُصَدِّقْ إنْكَارَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ بِعْنِي هَذَا لِزَيْدٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ لِلتَّنَاقُضِ (فَإِنْ صَدَّقَهُ) أَيْ زَيْدٌ إنْكَارَهُ بِأَنْ قَالَ لَمْ آمُرْهُ بِالشِّرَاءِ (لَا يَأْخُذُهُ) زَيْدٌ (جَبْرًا)؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ (فَإِنْ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ (صَحَّ)؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجَدُ بَيْنَهُمَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ وَلَوْ فُضُولِيًّا كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي فَصَارَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي.
(وَمَنْ وَكَّلَ بِشِرَاءِ رِطْلِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَشَرَى رِطْلَيْنِ بِدِرْهَمٍ مِمَّا) أَيْ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي (يُبَاعُ رِطْلٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ) فِي هَذَا الْبَيْعِ (مُوَكِّلَهُ) مِنْ اللَّحْمِ (رِطْلٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) عَنْ الْإِمَامِ قَيَّدَ بِمِمَّا يُبَاعُ رِطْلٌ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى لَحْمًا لَا يُبَاعُ رِطْلٌ بِدِرْهَمٍ بَلْ أَقَلَّ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَاقِعًا لِلْوَكِيلِ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (الرِّطْلَانِ بِالدِّرْهَمِ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَفَعَلَ الْمَأْمُورُ وَزَادَهُ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ رِطْلٍ مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَ شِرَاءُ رِطْلٍ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ رِطْلٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ لَهُ قِيلَ إنَّ مُحَمَّدًا هُنَا مَعَ الْإِمَامِ فِي قَوْلِ قَيَّدَ بِالْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الدَّرَاهِمِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَلَوْ بِعَرْضٍ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ إجْمَاعًا.
(وَلَوْ وَكَّلَ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِمَا) بِلَا ذِكْرِ ثَمَنِهِمَا (فَشَرَى) الْمَأْمُورُ لِلْآمِرِ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِنُقْصَانٍ (جَازَ) عَنْ الْآمِرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَذَا لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّرَاءِ إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَهُوَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ بِالْمُتَعَارَفِ وَالْمُتَعَارَفُ فِيمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِنُقْصَانٍ.
(وَكَذَا إنْ وَكَّلَ بِشِرَائِهِمَا) أَيْ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِمَا (بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَشَرَى) الْمَأْمُورُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ (بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْأَلْفِ (أَوْ بِأَقَلَّ) مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَكَانَ أَمْرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةٌ، وَبِأَقَلَّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ فَوَقَعَ عَنْ الْآمِرِ.
(وَإِنْ) شَرَى (بِأَكْثَرَ) مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ (لَا) يَجُوزُ أَيْ لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ قُلْت الزِّيَادَةُ، أَوْ كَثُرَتْ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَجُوزُ) الشِّرَاءُ بِأَكْثَرَ (أَيْضًا) كَمَا يَجُوزُ بِنِصْفِهِ، أَوْ أَقَلَّ (إنْ كَانَ) شِرَاؤُهُ (مِمَّا يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْآخَرَ)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يَشْتَرِي بِمِثْلِهَا الْبَاقِيَ لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ (فَإِنْ شَرَى) الْوَكِيلُ الْعَبْدَ (الْآخَرَ بِمَا بَقِيَ) مِنْ الثَّمَنِ (قَبْلَ) وُقُوعِ (الْخُصُومَةِ) بَيْنَهُمَا (جَازَ اتِّفَاقًا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ شِرَاءُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ (فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ عَيْنٍ) أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ (شَرَيْته) أَيْ الْعَبْدَ (بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ): بَلْ شَرَيْته (بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُمَا بُرْهَانٌ (فَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ) الْمُوَكِّلُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ (الْأَلْفَ صُدِّقَ الْوَكِيلُ إنْ سَاوَى) قِيمَةُ الْعَبْدِ (الْأَلْفَ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِي ضَمَانَ نِصْفِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْأَلْفَ بَلْ يُسَاوِي نِصْفَهُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِلَا خُلْفٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِالْأَلْفِ وَالْمَأْمُورُ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَالْأَمْرُ يَتَنَاوَلُ مَا يُسَاوِيه فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ خَمْسَمِائَةٍ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا) أَيْ دَفَعَ الْمُوَكِّلُ الْأَلْفَ إلَى الْوَكِيلِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا (فَإِنْ سَاوَى) قِيمَةُ الْعَبْدِ (نِصْفَهَا) أَيْ نِصْفَ الْأَلْفِ (صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ) بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ خَالَفَ الْأَمْرَ.
(وَإِنْ سَاوَاهَا) أَيْ إنْ سَاوَى قِيمَةَ الْأَلْفِ (تَحَالَفَا)؛ لِأَنَّ الْمُؤَكِّلَ هُنَا كَالْبَائِعِ وَالْوَكِيلُ كَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ فَيَجِبُ التَّحَالُفُ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ (وَالْعَبْدُ لِلْمَأْمُورِ) فِي الصُّورَتَيْنِ.
(وَكَذَا فِي مُعَيَّنٍ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَشَرَاهُ وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ: اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ لِي، وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَقَالَ الْآمِرُ: بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُمَا بُرْهَانٌ يَلْزَمُهُ التَّحَالُفُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ نَكَلَا فَلِلْوَكِيلِ وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا فَلِمَنْ نَكَلَ (وَلَا عِبْرَةَ لِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ) الْمَأْمُورِ (فِي الْأَظْهَرِ) قِيلَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
وَفِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا تَحَالُفَ هُنَا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِشِرَائِهِ بِمِائَةٍ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْعَبْدُ لِلْمَأْمُورِ فَإِنْ بَرْهَنَا قُدِّمَ بُرْهَانُ الْمَأْمُورِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ أَخِيهِ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ فَقَالَ الْآمِرُ لَيْسَ هَذَا بِأَخِي فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَى الْوَكِيلِ لِزَعْمِ أَنَّهُ أَخٌ الْمُوَكِّلِ وَعَتَقَ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

.فَصَلِّ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ:

(لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، أَوْ الشِّرَاءِ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَةٌ لَهُ) كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَزَوْجِهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَشَرِيكِهِ فِيمَا يَشْتَرِكَانِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَجُوزُ) الْعَقْدُ (بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَكَذَا حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ وَلَهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ، وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَدَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَّا إذَا أَطْلَقَ الْمُوَكِّلُ بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ مِمَّنْ شِئْت فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ كَمَا يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهَا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ) مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ (بِمَا قَلَّ) مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ غَبْنًا فَاحِشًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُعْتَادٌ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى النَّقْدِ وَبِالْكَثِيرِ مِنْ الْقِيمَةِ (أَوْ كَثُرَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ بَدَلٍ فَإِنَّ الْقِلَّةَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ اسْتِطْرَادِيًّا كَمَا قِيلَ.
(وَ) كَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (بِالْعَرْضِ) سَوَاءٌ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ مِنْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ وَقَدْ وُجِدَ بِهِ خَالِيًا عَنْ التُّهْمَةِ فَيَجُوزُ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ (إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِالنُّقُودِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا بِالْعَرْضِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِ الْحَاجَةِ وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ، وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا لَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ الْمُقَايَضَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ: وَبَيْعُ الْمُضَارِبِ وَالْمُفَاوِضِ وَشَرِيكِ الْعِنَانِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَمَّا بَيْعُ الْوَلِيِّ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لَا يَصِحُّ بِالْأَقَلِّ إلَّا بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ) إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ خَالِيًا عَنْ التُّهْمَةِ فَيَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَجَلِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِنَقْدِ الْبَلَدِ حَالًّا فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ وَإِنَّمَا قَيْدُنَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَلْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يَجُوزُ كَالْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَتْ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَهُ لَهَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَبِهِ يُفْتَى وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَالَ: بِعْهُ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ نَسِيئَةً كَمَا فِي النُّتَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْحَاجَةِ انْتَهَى.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: بِعْهُ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَ) يَجُوزُ (بَيْعُ نِصْفِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ) كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ وَعِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوز لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ قَبْلَ نَقْضِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ وَإِلَّا يَجُوزُ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ إذْ لَيْسَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ أَصْلًا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَلِذَا قُلْنَا كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ.
(وَ) يَجُوزُ (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ (بِالثَّمَنِ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا) لِلِاسْتِيثَاقِ (فَلَا يَضْمَنُ) الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ وَالْقِيمَةَ لِلرَّاهِنِ (إنْ تَوَى) أَيْ هَلَكَ (مَا عَلَى الْكَفِيلِ) مِنْ الثَّمَنِ (أَوْ ضَاعَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوَثَّقُ بِهِ وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَهُوَ حَوَالَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ قَبُولُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمُهُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَالدَّيْنُ قَدْ سَقَطَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ مِثْلَ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ رَهْنًا فَضَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُوَكِّلِ شَيْءٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ انْتَهَى.
.
(وَلَوْ وَهَبَ) الْوَكِيلُ (الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، أَوْ حَطَّ مِنْهُ) أَيْ بَعْضَ الثَّمَنِ (جَازَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فِي الْحَالِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ) كُلٌّ مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا أَمْرَ لَهُ فِيمَا فَعَلَ وَلَمْ يَجُزْ وَلَهُمَا أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ حُقُوقِهِ فَيَمْلِكُهَا وَدَفْعُ الضَّرَرِ حَاصِلٌ بِتَضْمِينِهِ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَجَّلَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (أَوْ قَبِلَ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (حَوَالَةً) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ فِي الْأَصْلِ قِيلَ يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فَلِذَا قَالَ وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَجَّلَهُ.
(وَلَوْ أَقَالَهُ) الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ (صَحَّ) عَقْدُ الْإِقَالَةِ (وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَلَزِمَ) الثَّمَنُ (الْوَكِيلَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَيَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ قَيَّدْنَا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ اتِّفَاقًا هَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَقَالَهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْوَكِيلِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَأَحَالَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِيَأْخُذَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَقَالَ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ لِلْمُوَكِّلِ فَيَبْقَى الثَّمَنُ لِلْمُوَكِّلِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَمَّا كَانَتْ عِنْدَهُ بَيْعًا صَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَكَانَ الْوَكِيلُ مَدْيُونًا لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ)، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ.
(وَ) يَجُوزُ (بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِهَا، وَهِيَ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي يُتَغَابَنُ بِهَا (مَا يَقُولُ بِهِ مُقَوِّمٌ) بِأَنْ قَوَّمَهُ عَدْلٌ مَثَلًا بِعَشَرَةٍ وَعَدْلٌ آخَرُ بِتِسْعَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ مُقَوِّمٍ وَقَدَّرُوهُ فِي الْعُرُوضِ بِزِيَادَةِ نِصْفٍ فِي الْعَشَرَةِ وَفِي الْحَيَوَانِ بِدِرْهَمٍ، وَفِي الْعَقَارِ بِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ فَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَقَدْرٌ فِي الْعُرُوضِ ده نيم وَفِي الْحَيَوَانِ ده يازده وَفِي الْعَقَارِ ده دوازده) هَذَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ كَالْعَبْدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِ مُقَوِّمٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ حَتَّى إذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ شَيْئًا قَلِيلًا كَالْفِلْسِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ قَوْلَهُ وَهُوَ مَا يُقَوِّمُ بِهِ مُقَوِّمٌ بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ سِعْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (لَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ بِالْغَبَنِ الْفَاحِشِ لِجَوَازِ اشْتِرَائِهِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَلَاءِ ثَمَنِهِ يُحَوِّلُهُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذِهِ التُّهْمَةُ لَا تُوجَدُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِالْمُخَالَفَةِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَكَانَتْ التُّهْمَةُ بَاقِيَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ تَتَبَّعْ.
(وَلَوْ وُكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (وَقَالَا لَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ بِمَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ كَالْعَبْدِ لَا بِمَا لَا يَتَعَيَّبُ كَالْبُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا مَرَّ (إلَّا إنْ بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَيْ قَبْلَ الِاخْتِصَامِ إلَى الْقَاضِي وَنَقَضَ الْقَاضِي الْبَيْعَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِعَوْدِهِ إلَى الْوِفَاقِ (وَهُوَ) أَيْ جَوَازُهُ إنْ بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ (اسْتِحْسَانٌ) عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ أَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُ نِصْفِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ جَازَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِيهَا وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى تُذْكَرُ بِلَا خِلَافٍ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فَذَكَرَهَا لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَهَا فِيمَا سَبَقَ وَذَكَرَهَا هُنَا جَمِيعًا كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ وُكِّلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (إلَّا إنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ اتِّفَاقًا)؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَيْعِ صَادَفَ مِلْكَهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ إطْلَاقُهُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُ الْوَكِيلَ مُطْلَقًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ بِشِرَاءِ نِصْفٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا بَعْدَ شِرَائِهِ فَبِهَذَا ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ شِرَاءُ النِّصْفِ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ تَأَمَّلْ.
(وَلَوْ رَدَّ الْبَيْعَ) أَيْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (عَلَى الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (رَدَّهُ) الْوَكِيلُ (عَلَى آمِرِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ الْبَيِّنَةِ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ حِينَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، أَوْ إقْرَارِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الْقَاضِي (فِيمَا) أَيْ فِي عَيْبٍ (لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرِبٌ فِي النُّكُولِ لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْبَيْعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ فَكَذَا بِإِقْرَارِهِ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحِجَجِ ثُمَّ إنَّ اشْتِرَاطَهَا فِيمَا كَانَ تَارِيخُ الْبَيْعِ مُشْتَبِهًا عَلَى الْقَاضِي، أَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ، أَوْ الْأَطِبَّاءُ فَإِنَّ قَوْلَهُنَّ وَقَوْلَ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَى إحْدَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِلرَّدِّ حَتَّى لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي تَارِيخَ الْبَيْعِ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ أَصْلًا كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ لَا حَاجَةَ إلَى الْحُجَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا الْخُصُومَةُ مَعَهُ كَمَا فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ (وَكَذَا) يَرُدُّ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ (فِيمَا) أَيْ فِي عَيْبٍ (يَحْدُثُ مِثْلُهُ) فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (إنْ) كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي (بِبَيِّنَةٍ، أَوْ نُكُولٍ) عَنْ يَمِينٍ لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
(وَإِنْ) كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي (بِإِقْرَارِ) الْوَكِيلِ (فَلَا) يَرُدُّهُ عَلَى آمِرِهِ (وَلَزِمَ الْوَكِيلَ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَيَظْهَرُ حَقُّ الْمُقِرِّ دُونَ غَيْرِهِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ السُّكُوتُ وَالنُّكُولُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ فَيَلْزَمُهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِنُكُولٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ بِالتَّرَاضِي فَيَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْمُوَكِّلُ غَيْرُهُمَا.
(وَلَوْ بَاعَ) الْوَكِيلُ (بِنَسِيئَةٍ) أَيْ إلَى أَجَلٍ (وَقَالَ الْمُوَكِّلُ أَمَرْتُك بِالنَّقْدِ وَقَالَ) الْوَكِيلُ: لَا (بَلْ أَطْلَقْت) أَيْ أَمَرْتنِي بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالنَّقْدِ (صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ) مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآمِرِ وَلَا مُسَاعَدَةَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَأْمُورُ (وَفِي الْمُضَارَبَةِ) صُدِّقَ (الْمُضَارِبُ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ فَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ.
(وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلِينَ وَحْدَهُ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ) لِعَدَمِ رِضَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِرَأْيِهِمَا مَعًا وَفِي الْمِنَحِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى.
لَكِنْ فِي الشُّمُنِّيِّ خِلَافُ مَا فِي الْمِنَحِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ حَاضِرٌ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ زَالَ عَقْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ تَتَبَّعْ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: وَكَّلْتُ أَحَدَكُمَا بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ فَإِنَّ الْآخَرَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارِيَةً وَوَقَعَ شِرَاؤُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَتْ الْجَارِيَتَانِ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (إلَّا فِي خُصُومَةٍ) فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ لِإِفْضَائِهِ الشَّغَبَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَاصَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُشْتَرَطْ حَضْرَةُ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِسَمَاعِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلِكِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحَضْرَةِ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مُبَاشَرَةِ رَأْيِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ رَأْيِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي ابْنِ مَلِكٍ عَلَى الرَّأْيِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْعَامَّةِ وَهُوَ، أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الضَّعْفِ تَدَبَّرْ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ) وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ وَرَدِّ عَيْنٍ لَكَانَ، أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ بِأَنَّ رَدَّ عَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ دَاخِلٌ فِي رَدِّ وَدِيعَةٍ حُكْمًا وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا تَدَبَّرْ.
قَيَّدَ بِالرَّدِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبْضُ بِدُونِ صَاحِبِهِ (وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا عِوَضَ فِيهِمَا) وَكَذَا تَعْلِيقٌ بِمَشِيئَةِ الْوَكِيلِينَ وَتَدْبِيرٌ وَتَسْلِيمُ هِبَةٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَيُعْتَبَرُ الْمَثْنَى فِيهِ كَالْوَاحِدِ هَذَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعِتْقِ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَقَيَّدَ بِلَا عِوَضٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِعِوَضٍ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا إلَّا إذَا أَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ، أَوْ الْوَكِيلُ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ وَالْوِصَايَةَ وَالْمُضَارَبَةَ وَالْقَضَاءَ وَالتَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ سَوَاءٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ.
(وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ)؛ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ إذْ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ رَأْيِ غَيْرِهِ لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ فِي الْآرَاءِ (إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ) لِتَحَقُّقِ رِضَائِهِ (أَوْ بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ (اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِإِطْلَاقِهِ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِهِ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّنْوِيرِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: إلَّا فِي دَفْعِ زَكَاةٍ وَفِي قَبْضِ دَيْنٍ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ وَعِنْدَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ بِدُونِ الْإِذْنِ جَائِزٌ فِيهَا (فَإِنْ أَذِنَ) الْمُوَكِّلُ بِالتَّوْكِيلِ (فَوَكَّلَ) الْوَكِيلُ غَيْرَهُ (كَانَ) الْوَكِيلُ (الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي) ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَنْعَزِلُ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي (وَلَا) يَنْعَزِلُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ: يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ عَزْلَهُ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ اعْمَلْ بِرَأْيِك انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَأْمُورٌ بِإِعْمَالِ رَأْيِهِ وَقَدْ عَمِلَ بِأَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَتَمَّ الْأَمْرُ فَلَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اصْنَعْ مَا شِئْت؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَيَمْلِكُ الْعَزْلَ تَدَبَّرْ.
(وَيَنْعَزِلَانِ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي (بِمَوْتِ) الْمُوَكِّلِ (الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِمَوْتِهِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ (وَإِنْ وَكَّلَ) الْوَكِيلُ غَيْرَهُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُوَكِّلِ (فَعَقَدَ) الْوَكِيلُ (الثَّانِي بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (جَازَ) عَقْدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِهِ وَقَدْ حَضَرَ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَضْرَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْوَكِيلِ، أَوْ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّ حَضْرَةَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا تَكْفِي وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْعِبَارَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: فَأَجَازَهُ مَكَانَ قَوْلِهِ بِحَضْرَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ.
(وَكَذَا لَوْ عَقَدَ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِغَيْبَتِهِ) أَيْ بِغِيبَةِ الْأَوَّلِ (فَأَجَازَهُ) أَيْ أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَقْدَهُ جَازَ، وَلَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ فَعَقَدَ الثَّانِي بِحَضْرَتِهِ، أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ جَازَ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ كَمَا بُيِّنَ قُبَيْلَهُ تَدَبَّرْ.
قَيَّدَ بِالْعَقْدِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، أَوْ طَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ وَكَذَا الْإِبْرَاءُ وَالْخُصُومَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (أَوْ كَانَ) الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (قَدْ قَدَّرَ الثَّمَنَ) لِلثَّانِي فَعَقَدَ الثَّانِي بِغَيْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ، أَوْ مُكَاتَبٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ طِفْلِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، وَلَا تَزْوِيجُهُ) لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمَا بِالرِّقِّ.
(وَكَذَا الْكَافِرُ فِي حَقِّ طِفْلِهِ الْمُسْلِمِ) لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ بِالْكُفْرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّهِ يُقَالُ حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الذِّمِّيِّ دَلَالَةً وَلِذَا بَيَّنَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَقِيلَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ لِتَرَدُّدِ الْمِلَّةِ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِنْ قُتِلَ لَا.

.بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ:

أَخَّرَ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَقَعُ بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ لِمُطَالَبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (لِلْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ الْقَبْضُ) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ، وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ (خِلَافًا لَزُفَرَ)؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِهَا إذْ يَخْتَارُ الْمُوَكِّلُ لِلْقَبْضِ آمَنَ النَّاسِ وَلِلْخُصُومَةِ أَلَجَّ النَّاسِ (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَفْتَى بِذَلِكَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي وَسَمَرْقَنْدَ وَغَيْرِهِمْ وَلِذَا أَشَارَ إلَى خِلَافِ زُفَرَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ لِقُوَّةِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا أَبَى لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي وَغَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ (الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَبِ مِثْلُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا يُقَالُ اقْتَضَيْت حَقِّي أَيْ قَبَضْته فَإِنَّهُ مُطَاوِعٌ قَضَى إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْغَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِتَقَاضِي الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْقَبْضَ اتِّفَاقًا فِي جَوَابِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَكِنْ فَتْوَى الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ انْتَهَى.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ فِي زَمَانِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ ا هـ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ عَدَمُ فَهْمِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ: وَالْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّقَاضِي بِدُونِ الْقَبْضِ فَيَلْزَمُ التَّأَمُّلُ فِي قَوْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ مُصَرَّحٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَلَا خِلَافَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِذَلِكَ فِي بَلَدٍ كَانَ مِنْ الْعُرْفِ بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّ الْمُتَقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الدَّيْنَ تَوْكِيلًا بِالْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا تُدْبِر.
وَفِي التَّنْوِير وَرَسُول الْقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ لَا الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا وَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ وَكِيلُ الْمُلَازَمَةِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَكِيلُ الصُّلْحِ وَكَذَا عَكْسُهُ.
(وَلِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَبْضِ يَعْرِفُ الْخُصُومَةَ وَيَهْتَدِي إلَى الْمُحَاكَمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الرِّضَى مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ نَفْسِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلِذَا قُلْنَا أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِلْكُ الْمَطْلُوبِ حَقِيقَةً وَبِالْقَبْضِ يَتَمَلَّكُهُ بَدَلًا عَنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ وَكِيلًا فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ وَلَا ذَلِكَ إلَّا بِالْخُصُومَةِ وَثَمَرَتُهُ مَا إذَا أَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ اتِّفَاقًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ أَمَرَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَأَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا جَمِيعًا فَقَبَضَهُ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ عَلَى الْأَمْرِ وَلِلْآمِرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِكُلِّهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْغَرِيمِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ فَضَاعَ مِنْ الْوَكِيلِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُقَضَّى عَلَيْهِ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ.
(وَلِلْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْأَخْذِ اتِّفَاقًا) حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَلَّمَهَا تُقْبَلُ وَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَأَمَّا بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُصُومَةُ.
(وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) أَيْ لَهُ الْخُصُومَةُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَخْذِ الْوَاهِبِ الْعِوَضِ تُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الرُّجُوعُ (أَوْ بِالْقِسْمَةِ) يَعْنِي لِلْوَكِيلِ بِالْقِسْمَةِ الْخُصُومَةُ حَتَّى إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ مَعَ شَرِيكِهِ فَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ تُقْبَلُ (أَوْ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ) حَتَّى إذَا أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ تُقْبَلُ.
(وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ) يَعْنِي لَهُ الْخُصُومَةُ وَأَمَّا قَبْلَ مُبَاشَرَتِهِ الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصْلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمَهَا فِيهَا.
(وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ الْخُصُومَةُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ بِقَبْضِ عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَجْهٌ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ عَبْدٍ أَنَّ مُوَكِّلَهُ بَاعَهُ مِنْهُ تُقْصَرُ يَدُ الْوَكِيلِ) عَنْهُ (وَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ فَيَلْزَمُ) عَلَى ذِي الْيَدِ (إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا وَالْقِيَاسُ فِيهِ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَى الْوَكِيلِ لِعَدَمِ قَبُولِ حُجَّةِ ذِي الْيَدِ لِقِيَامِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَلَمْ يُعْتَبَرُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ خَصْمٌ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتُقْتَصَرُ يَدُهُ فَتُقَامُ الْحُجَّةُ ثَانِيًا عَلَى الْبَيْعِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمُ (كَمَا تُقْصَرُ يَدُ الْوَكِيلِ بِنَقْلِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْعَبْدِ) يَعْنِي إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمَا إلَى مَوْضِعٍ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ اسْتِحْسَانًا فِي قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهُمَا حَتَّى يُحْضِرَ مُنْكِرًا (وَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لَوْ بَرْهَنَا) أَيْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (بِلَا حُضُورِ الْمُوَكِّلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا أَقَامَا حُجَّةً عَلَى وَكِيلٍ غَيْرِ خَصْمٍ، وَلِذَا وَجَبَ إعَادَتُهَا لَوْ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ بِخِلَافِ قَصْرِ الْيَدِ.
(وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي) بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (صَحِيحٌ) سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِ الْحَقِّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَهُ ذَلِكَ الْوَكِيلُ صَحَّ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَبِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ صَحَّ وَصَارَ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ صَارَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ.
وَفِي الصُّغْرَى لَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ صَحَّ وَإِلَّا لَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَّهُ أَيْضًا يَصِحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ صَحَّ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فِي الظَّاهِرِ لَوْ مَوْصُولًا وَفِي الْأَقْضِيَةِ وَمَفْصُولًا أَيْضًا (لَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) أَيْ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَشَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ يَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَ مَقَامُ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي، وَكَذَا وَكِيلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ، وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهَا؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا فَيَضْمَنُ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ كَذَا يَمْلِكُ وَكِيلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ جَوَابَ الْخَصْمِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذْ وَرَاءَ مَجْلِسِهِ يُفْضِي إلَى الْمُجَادَلَةِ وَالْمُجَاذَبَةِ وَهُوَ لَمْ يُوَكِّلْ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ وَكِيلًا (لَكِنْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ، هَذَا اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي؛ فَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ عَقِيبَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ تَدَبَّرْ.
(أَنَّهُ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ) أَيْ لَا يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُنَاقَضَةِ؛ وَلِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ (كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ) إقْرَارُهُمَا (وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ (الْمَالَ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا لِلصَّغِيرِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً نَظَرِيَّةً وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْفَظَ مَالَهُ وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْسَنِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ حِفْظًا وَلَا يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ وَيُنَصَّبُ وَصِيٌّ آخَرُ وَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لَوْ ثَبَتَ.
(وَلَا) يَصِحُّ (تَوْكِيلُ رَبِّ الْمَالِ كَفِيلَهُ بِقَبْضِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ وَكَّلَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ؛ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ؛ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا يُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَتَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فَلْيُرَاجَعْ.
وَفِي التَّنْوِيرِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا كَفَلَ صَحَّ وَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَكَذَا كُلُّ مَا صَحَّتْ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ تَقَدَّمَتْ كَفَالَتُهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ.
(وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِمَنْ قَالَ أَنَا وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ خَالِصُ حَقِّهِ إذَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (فَإِنْ صَدَّقَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ) فِيهَا أَيْ إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَ الْوَكِيلَ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةِ فَلَا كَلَامَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ (أُمِرَ) أَيْ أُمِرَ الْغَرِيمُ (بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ إنْ لَمْ نُجِرْ الِاسْتِيفَاءَ حَالَ قِيَامِهِ (وَرَجَعَ) الْغَرِيمُ (بِهِ) أَيْ بِمَا دَفَعَهُ (عَلَى الْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَهْلَكْ فِي يَدِهِ) أَيْ رَجَعَ الْغَرِيمُ بِهِ إنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبَضَهُ وَيَأْخُذَ مَا يَجِدُهُ وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ حُكْمًا بِأَنْ اسْتَهْلَكَهُ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بِبَقَاءِ بَدَلِهِ.
(وَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ (لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ فِيمَا هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ فَيَكُونُ أَمِينًا وَهُوَ لَا يَكُون ضَمِينًا؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي أَخْذِ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ (إلَّا إنْ كَانَ قَدْ ضَمِنَهُ عِنْدَ دَفْعِهِ) فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِمِثْلِ مَا دَفَعَهُ قِيلَ رُوِيَ ضَمِنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَبِعَدَمِهِ فَالْمَعْنَى بِالتَّشْدِيدِ إلَّا إذَا إنْ جَعَلَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ ضَامِنًا بِأَنْ قَالَ عِنْدَ دَفْعِهِ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ وَكَالَتَك وَأَخَذَ مِنِّي ثَانِيًا فَأَنْتَ ضَامِنٌ بِهَذَا الْمَالِ فَقَالَ: أَنَا ضَامِنٌ وَبِعَدَمِ التَّشْدِيدِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بِأَنْ قَالَ عِنْدَ دَفْعِهِ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ وَأَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا فَإِنِّي ضَامِنٌ بِهَذَا الْمَالِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ كَفِيلًا بِمَالٍ قَبَضَهُ الدَّائِنُ الْمُنْكِرُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الضَّمَانِ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ جَائِزٌ لَا بِمَالٍ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ وَالْأَمَانَاتُ لَا تَجُوزُ بِهَا الْكَفَالَةُ وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ حَالَةَ الْهَلَاكِ إلَّا إذَا ضَمِنَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ قَبَضْت مِنْك عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُك مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُصَدِّقٍ وَكَالَتَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مُكَذِّبًا أَوْ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ لَهُ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ فَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ فَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفَعَهُ لِمُوَكِّلِهِ صَدَقَ بِحَلِفِهِ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ (وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ بِقَبْضِ الْأَمَانَةِ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ إقْرَارٌ بِمَالِ الْغَيْرِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ لَا بِالدَّفْعِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَكَذَا) أَيْ مِثْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحُكْمِ (لَوْ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَى شِرَائِهَا مِنْ الْمَالِكِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ مَالِكِهَا وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي أَنَّ الْمَالِكَ مَاتَ وَتَرَكَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (مِيرَاثًا لَهُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَلَوْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَاخِرِ الْقَضَاءِ فَكَانَ ذِكْرُهَا هُنَا تَكْرَارًا تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ اسْتِيفَاءَ الدَّائِنِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الدَّائِنِ (أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) أَيْ أُمِرَ الْغَرِيمُ بِدَفْعِ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ وَقَدْ جَعَلُوا دَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ لِرَبِّ الدَّيْنِ جَوَابًا لِلْوَكِيلِ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ وَإِلَّا لَمَا اُشْتُغِلَ بِذَلِكَ كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْ الدَّائِنِ وَادَّعَى الْإِيفَاءَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَكَمَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعِي ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ تَسْلِيمٌ لِلْحُدُودِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ اسْتِيفَاءَ مُوَكِّلِهِ) الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَالنَّائِبُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْحَلِفُ خِلَافًا لَزُفَرَ (بَلْ يَتْبَعُ) الْغَرِيمُ بَعْدَمَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ (رَبَّ الدِّينِ وَيَسْتَحْلِفُهُ) أَيْ رَبُّ الدِّينِ (أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى) إنْ حَلِفَ بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ نَكَلَ بَطَلَ الْحُكْمُ فَيَسْتَرِدُّ فِيهِ مَا قَبَضَ.
(وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى وَكِيلٍ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إنْ مُوَكَّلَهُ رَضِيَ بِهِ) أَيْ بِالْعَيْبِ (لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّائِنِ أَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَاكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عَنْ نُكُولِهِ وَهَهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لَبَطَلَانِ الْقَضَاءِ وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ.
وَفِي الْمِنَحِ فَلَوْ رَدَّهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَهُ عَلَى الرِّضَى كَانَتْ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَمَنْ دَفَعَ إلَيْهِ) رَجُلٌ (آخَرُ عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ (يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِهِ (عَشَرَةً) أُخْرَى (مِنْ عِنْدِهِ فَهِيَ بِهَا) أَيْ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلُ الشِّرَاءِ وَحُكْمُهُ كَذَلِكَ قِيلَ، هَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَفِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمَرَهُ، وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ، وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَيَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ فَلَا يُدْخِلَانِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ دَرَاهِمَهُ مَعَ بَقَاءِ دَرَاهِمَ الْمُوَكِّلِ وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ، هَذَا إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ الدَّافِعِ قَائِمَةً وَقْتَ شِرَائِهِ النَّفَقَةَ وَكَانَ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَيْهَا أَوْ يُطْلِقُ لَكِنْ يَنْوِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَشَرَةِ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَصِيٌّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ، وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ أَيْ الْوَصِيُّ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُطَوِّعًا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ.